في ربوع الأدب السياسي
حوار التناظر مع الأديب القاص صالح أبو أصبع
د. مازن حمدونه
Mazen_hmd@hotmail.comMazen.hmd@gmail.comالسراب ...............
أهو السراب أم ألم الغربة والشتات ؟!
قلت الصحراء ترامت أطرافها بين الحياة والموت. كمنجم الذهب الرابض تحت براكين اللهب أخذتك الغربة بعيداً ككل المبعثرين ، ككل المشتتين الهائمين بعد أن نالت من عزائمهم الهزائم .
في غفوة وفي وسط روابي الرمال المتحركة الملتهبة غفوت "عبر المولى" بعد أن خذلتك مركبتك . أيقظتك صفاره المقود ، في غفوة صرخت من ألم الغيظ بعد أن خذلتك الرحلة القاحلة . قذفت بك الإقرار ككل الذين تقطعت بهم السبل في بلاد القحط المرصع بالذهب الأسود .
بعض ممن تعثرت بهم السبل يبكون حظهم .. يبتهلون إلى الله أن يقيموا في غربة أنت أبكتك لوعتها ...هم معذورين ...فجوع الحاجة أجهضت أحشائهم وكل إغاثات الأمم لم تشبع رمق حاجتهم .أنت عشت غربة الوطن ، وحظك العاثر في صحراء العرب تقطعت بك السبل ، لم تعد قروش أهل العروش تنقذ محنتك .أدركت عزيزي كم هي موحشة الغربة .....كم هي مرعبة .
تقول الموت .....
الموت الذي تغفل جفونك وتنقلك من حاله لا تتكرر فاجعتها كل يوم .... أتعلم كم هو الفرق بين موت الماضي وموت الحاضر والمستقبل ؟! أنظر كيف أوهنك شبح الضعيف في الغربة وجعلت سريرتك تترنح بين المواجهة و الهرب .
أصبحت تخشى الموت والأذى وكل وساوس النفس من مشهد واهم قد يكون سراباً أو هاجساً أو كابوساً تقلبه ثنايا النفس .
كم أدخلت الغبطة على قلبي حين ذكرتني ببعض رواد الغربة عندما كانوا يعودون في إجازات الصيف تراهم يتهندمون بالجلباب الشفاف الأبيض وتراهم يطوون بعض من أوراق الدينار الأزرق والأخضر في أعلى الجيوب تعكس ما في النفس من لذة المال في وسط الفقراء كمن اغتنى في إجازة الصيف ووجهه شاحب لا يعرف طريق الترف ... حقاً إنه الميت في جوف الحي . ترى وحشة المكان تدفعك إلى خطرفة فاستنسخت من الذات وأسقتطه على الأخر. وصفت الجوع ووحشة الغربة ... والفراق ، والموت ، والخوف، والقلق وألم الرحيل . كثر كل أولئك الذين طوت الصحراء حاضرهم وابتلعت الجسد وحلته... وهم باتوا في ذمة التاريخ دون مكان لهم حتى في مقابر الذين رحلوا .
داعبت مشاعرك ... أقحمتك الذاكرة .. أعادت لك شريط الذاكرة صوب البحر ..أعادت لك نشوة السعادة وأنت في وسط الصحراء تغرق .والذاكرة نقلتك بمشاهدها إلى مياه بحور الأمس . شتان ما بين بحر الرمال ، ولهيب الصحراء ، ورطوبة الماء المتدفق .. وجدت نفسك تلهو، تجري تلهث ،تمرح ... كل هذا على أنغام موسيقى مذياع وحيد صاحبك في وحشتك ، وجدته يدغدغ مشاعرك في عالم محيط بك، موحش ، لا يسمعك فيها الا زواحف الصحراء مهما صرخت .
ترى "عبد المولى" سمعنا جميعاً وسمع أبائنا ، وأجدادنا ... أن بلاد العرب أوطاني وبشرونا بنجدات الملهوف وقالوا: سنأتيكم لو على ظهر الجمل والحمل ؛ إلا انه لا طائراتهم ، ولا جمالهم حتى حميرهم لم تصل.
قالوا جميعاً : ها اقتربنا وانتظر وختاماً أعيانا الانتظار ، هدنا الإعياء ، ومزقنا الصبر ، واندثر الحلم ، وأخيراً بزغ الفجر وعادت ظلمات الليالي تسدل حلكتها ..وانتحر الحلم ولم يعد يتبقى لنا من قومية وعروبة الماضي سوى الموشحات ، وترانيم الأغاني . حتى صفحات التاريخ الماضي بهتت وأكل الغبار بهجتها وأصبح يغلب عليها الشحوب والاصفرار .
رغم صراخ الجنود في طوابير العرض، و شخشنه السلاح ... ورغم هدير الدبابات ،وصفير الطائرات بقي الحال ... ومازال الوضع على ما هو عليه ينتظر؟!