لماذا اغتيل الشهيد القائد صدام حسين...؟ دروس عام مضى 2
صدام الضمير قوة لا تقهر كما كان صدام الجسد قوة لا تهزم
حينما استعملت تعبير (الشهيد الحي) في عام 2004، أي قبل اغتيال الشهيد القائد صدام حسين بأكثر من عامين، كنت ارى ما سيحدث بالتفاصيل الدقيقة، وكنت متيقنا من ان الاغتيال ستترتب عليه نتاج ودروس وحقائق تعزز نضال شعبنا التحرري ضد الاحتلال وتوسع طريق العبور الى النصر الحاسم. والان، وبعد مضي عام على اغتيال الشهيد الحي، ما الذي ترسخ من حقائق ؟ وما الذي تبلور من دروس ونتائج ؟
قبل ان اجيب ينبغي ان اوضح لم استعملت تعبير الشهيد الحي ؟ حينما وقع الشهيد في الاسر كان واضحا تماما ان الادارة الامريكية ستقوم بما يلي :
1- تنفيذ عملية انتقام كاملة من القائد الشهيد صدام حسين لعدة اسباب، منها انه عطل او احبط المخططات الامريكية الخاصة بالوطن العربي، وسبب لامريكا وإداراتها المتعاقبة صداعا واحباطا ومشاكل معقدة منذ تأميم النفط، كذلك حمّل الميزانية الامريكية مبالغ هائلة منذ عقود، واخيرا وليس اخرا لم ينسى بوش الابن ان صدام حسين سمح بوضع صورة والده عند مدخل فندق الرشيد لتدوسه اقدام كل من يدخل او يخرج منه. ان الانتقام الشخصي عنصر موجود بالتاكيد لكنه ليس العنصر المقرر للاغتيال.
2-معاقبة من تجرأ على تأميم النفط وطرد الشركات الاجنبية واعاد اموال النفط لتكون في خدمة الشعب العراقي والامة العربية.
3-معاقبة من تجرأ وقصف العمق الاسرائيلي بصواريخ ستراتيجية لاول مرة فيتاريخ الصراع العربي – الصهيوني، (هناك جهلة، او مرتزقة لايران، ينسبون هذه الفضيلة لحسن نصر الله مع انه استخدم صواريخ كاتيوشا لضرب مدن شمال الكيان الصهيوني وليس العمق وهي لعبة اطفال لا قيمة ستراتيجية لها) فاسقط صدام حسين نظرية الامن الاسرائيلي، التي قامت على منع وقوع الحرب داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة وخوضها في اراضي الاقطار العربية. ان مجرد وصول صواريخ العراق الى العاصمة ومدن العمق قد اسقط هذه النظرية، وذلك تطور خطير هز الثوابت الحربية الصهيونية واجبر الكيان على تغيير ستراتيجيته العامة تجاه العرب.
4- معاقبة من تجرأ وتجاوز الخطوط الحمر التي وضعها الغرب منذ مطلع القرن العشرين واهمها ما ورد في تقرير لجنة بنرمان وهي:
أ – ممنوع على العرب تحقيق الوحدة العربية او المناداة بها والعمل من اجلها.
ب – ممنوع على العرب حيازة التكنولوجيا والعلوم الحديثة.
ج – ممنوع على العرب محاربة اسرائيل التي قرر الغرب إنشاءها، وفقا لتوصيات لجنة بنرمان، لتكون عازلا لمشرق الوطن العربي عن مغربه.
الشهيد الحي تجاوز كل هذه الخطوط الحمر، بتمسكه بالوحدة العربية ونضاله من اجلها، ودفاعه المجيد عن حق العرب في فلسطين، ورفضه كل العروض التي قدمت له للتراجع عن موقفه القومي، وبعض من حمل بعض هذه العروض مازال حيا وشاهدا على رفض صدام حسين أي مساومة حول فلسطين والوحدة العربية. كما ان الشهيد الحي نقل العراق من قطر متخلف، وضعيف الدور اقليميا يشكل الفقر والامية فيه نسبة حوالي 80 %، من سكانه الى قطر مرفه لا فقر فيه ولا امية، ولديه جيش عظيم كان احد اعظم جيوش العالم، وانشأ جيشا من العلماء والمهندسين استخدم لتحقيق نوع ممتاز من الاعتماد النسبي على النفس في الصناعة خصوصا العسكرية. ان هذه الانجازات، وهي ليست كل انجازات صدام حسين، يكفي واحد منها فقط لشن الحروب على العراق من قبل الغرب، الذي كان يريد ان يبقى العرب متخلفين وتابعين ومستهلكين ومتفرقين ولا دور مهم لهم اقليميا وعالميا.
5- حينما نصب الغرب والصهيونية خميني حاكما مطلقا على ايران بعد ان اسقط الشاه، كان يريد بواسطته اشعال حروب الطوائف في الوطن العربي والعالم الاسلامي، وتحويل الصراع من صراع تحرري بين العرب الذين فقدوا فلسطين، والصهيونية العالمية التي احتلت فلسطين، الى صراع اديان وطوائف واعراق، وكانت شخصية خميني المتسمة بالحقد على العرب والمطامع التوسعية هي اصلح من يستطيع القيام بذلك الدور، وبغض النظر عن كرهه للغرب. واستنادا لتلك الستراتيجية الغربية – الصهيونية، القائمة على اشعال حروب وصراعات دينية وطائفية وعرقية في الوطن العربي والعالم الاسلامي، فان الغرب تعمد دفع المنطقة الى حرب ايرانية عراقية كان شعار نشر ما يسمى ب( الثورة الاسلامية ) هو مفجرها الحقيقي، خصوصا وان خميني اختار ان يبدأ تلك الردة الرجعية العنصرية في العراق بتبني وتنفيذ هدف اسقاط النظام الوطني فيه وجعله الهدف الاول والاهم في اجندة النظام العنصري القومي الفارسي.
لكن الحرب لم تنته بنشر الفوضى الطائفية والحروب الدينية في المنطقة بل انتهت بدحررأس حربة الستراتيجية الصهيونية والغربية، وهو نظام خميني، وخروج العراق منتصرا وتحولهالى القوة الاقليمية العظمى الوحيدة في الخليح العربي، وذلك تطور كان مضاد تماما لما ارادته امريكا والصهيونية وهو القضاء على عراق التاميم والتقدم العلمي التكنولوجي وازالة الامية والفقر والتمسك بالقضايا القومية وفي مقدمتها تحرير فلسطين.
هذه النتيجة، وتحول العراق الى عامل تحييد للتفوق الاسرائيلي على العرب ونشوء ميزان ستراتيجي تتوازن فيه قوة العرب، ممثلة بعراق صدام حسين، مع قوة اسرائيل المدعومة من الغرب الاستعماري، أحدثت خللا ستراتيجيا اقليميا لصالح العرب، لاول مرة منذ عام 1948، هدد بنسف كافة الترتيبات التي وضعت منذ ذلك العام. وهكذا اضطرت امريكا، مدعومة من قبل الغرب الاستعماري، للتخلي عن ستراتيجية تم اعتمادها منذ الخمسينيات وتقوم على مايسمى ب( الحرب بالنيابة )، ووفقا لها كانت امريكا تحارب أعداءها بواسطة انظمة في المنطقة كان نظام شاه ايران احدها، وتكتفي بدعم تلك النظم دون خوض الحرب مباشرة او رسميا. لقد احبطت تجربة المرحوم جمال عبدالناصر في مصر بواسطة تلك الستراتيجية كما نعلم، لكن بروز عراق صدام حسين كقوة اقليمية عظمى هزمت ايران في حرب دامت ثمانية اعوام رغم ان ايران تمتعت وقتها باعظم قوة لها في تاريخها كله، ولذلك كان واضحا ان اسرائيل تعجز عن دحر العراق الجديد، لو وقعت الحرب. كل هذا اجبر امريكا على تبني ستراتيجية جديدة هي ستراتيجية (الحرب بالاصالة)، أي انها دخلت حلبة الصراع الستراتيجي