عرفات سالم الخطيب يقول...
ليس عيبا ولم يكن ممنوعا في أي فترة زمنية من عمر الشعوب أن ترفع شعاراتها فهي الخطوط العريضة لأمانيها وتطلعاتها المشروعة على مر العصور وهى التي تحولت في الدول الديمقراطية إلى برامج تتبناها الأحزاب السياسية المتصارعة عبر صناديق الاقتراع لكسب تأييد الشعب لتتولى فيما بعد حكمه بالاشتراك النسبي مع الأحزاب الأخرى للوصول إلى ما أكثر من 51 % في البرلمان كما في معظم دول أوروبا الغربية أو أن تشكل بنفسها حكومة الحزب الواحد في حال عدم تعدد الأحزاب المتنافسة كما في بريطانيا وأمريكا .
دأبت الأحزاب تلك في طرح برامجها الانتخابية على الناخبين من الشعب وما أن تفوز حتى يبدأ الصراع الحقيقي لها لبلورة الأهداف المعلنة عبر تلك الشعارات العريضة ففي حال نجاحها فإنها تمضى فترة حكمها ولها الحق في الترشح لمرة أخرى وهى تشريع يغلب على أكثرية القوانين المتبعة وهكذا.. وقد تفوز في كل ولاية فيكون لها الأمر ديمقراطيا ...وان لم تستطع بلورة وتحويل برامجها (شعاراتها ) إلى حقيقة واقعية وشعر الشعب بتراجع في مصالحة ومصالح بلده السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتفاقم الوضع الداخلي من النواحي الاقتصادية خاصة والتي تعتبر المحك الرئيسي للناخبين فان ذلك يفرض وبحكم القانون أن تستقيل الحكومة للرجوع إلى الانتخابات مجددا وقبل انتهاء المدة القانونية لها كما يحدث في أوروبا وايطاليا والنمسا وبلغاريا مثالا .ففي نهاية المطاف يكون الشعب من يدلى بكلمته الأخيرة فهو الأعرف حينها أين تكمن مصالحه الشخصية والوطنية وهذا من حقوقه بحسب الدستور للدول المستقلة والتي تحترم سيادة القانون والمواطن.
وكذلك الحال في كل الثورات التي اندلعت في معظم القارات في فترة الستينيات تعلن التمرد المسلح ضد المحتلين وضد الاستعمار فإنها استخدمت الشعارات العريضة في مخاطبة الجماهير لكسبها إلى جانبها وفعلا نجحت في تعاطفها وأصبحت جماهير الثورة وقودا يعمل على استمرارها وعطائها وتضحياتها ضمن شعارات كبيرة انصبت كلها للتحرير والاستقلال ورص الصفوف وتعاضد ودعم الثورات من قبل شعوبها فهي المتلاحمة معها على الخير والشر فهي أولا وأخيرا مصدر شرعيتها وطاقتها ومدها وانتصاراتها لاحقا والأمثلة كثيرة على ذلك مثال فيتنام ونيكاراغوا وبوليفيا والجزائر و.....الخ.
في فلسطين كانت وما زالت الشعارات حاضرة فالدولة لم تقم بعد بمعنى لم تصل الثورة الفلسطينية ( م. ت.ف) على الاستقلال والحرية بشكل كامل بإنشاء دولة فلسطين ذات السيادة وهى في مراحل متقدمة منها ونرى الشعارات المرفوعة من الثورة الفلسطينية قد تحولت إلى ما يعرف بالثوابت الوطنية المعلومة للجميع وهى إقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 67 كحد أدنى لاختلاف واقع فلسطين في كثير من الجوانب التي ميزتها عن سابقاتها من الثورات التحررية في العالم كله...وما زال الشعار مرفوعا تماما كما رفعة أبو الثورة الفلسطينية ورمزها الخالد أبا عمار رحمه الله...وهى ماضية في هذا الطريق وتدفع جراء هذا الصمود على الثوابت كثيرا من الشهداء والدماء والمعاناة والألم والشعب معها ويتحمل ويعانى في ذلك الكثير.....وقد قطعت شوطا لا بأس به في الوصول إلى الأهداف الوطنية وتطبيق الشعارات والثوابت فهي متواجدة بين شعبها وعلى أرضها.
ولكننا وجدنا على الساحة الفلسطينية نشوء وضع بدا عاديا ومنطقيا ورائعا قوى مسلحة ذات طابع اسلامى كما الحال في جميع الدول العربية والإسلامية التي بدأت في التطلع إلى تغيير واقع بدا مهزوما ومتخاذلا من الأنظمة الحاكمة فيها و وقد زاحمت منظمة التحرير الفلسطينية وبدأت بشعارات لم تكن غريبة فنحن عايشناها قبل 20 عاما من سماعنا لها ورويدا رويدا بدأت في التشكل السياسي والتحضير لدخول هذا المعترك المعقد للقضية الفلسطينية وهنا لا بد من تلخيص حقائق لا أعتقد بأن أحد يجادل بها أبدا وهى:
* سماح منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة قيادة فتح بصفتها الفصيل الذي يقود المنظمة إلى حماس بالتشكل والتطور العسكري وأجزم بأن الزعيم الخالد أبو عمار أمدهم بمقومات كثيرة ليس حديثنا هنا ومهد الطريق لهم وذلك ليكونوا سندا في التحرير والاستقلال وهذا ما يعنينا .
* سماح منظمة التحرير وفتح لحماس بالدخول سياسيا والاشتراك بانتخابات تشريعية....
وهنا نصل إلى ما نريد تسليط الضوء عليه فعندما نجحت حماس على صعيد الانتخابات كانت تحمل الشعارات ( موضوع حديثنا ) والتي تحولت إلى ما يشبه البرامج لها وحقيقة لم تصل إلى تحقيق أي منها أبدا سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي وهنا لن نبحث الأسباب وراء هذا الفشل فالثورة الفلسطينية بعد 40 عاما لم تصل إلى تحقيق كل أهدافها إلا جزءا منها وذلك لوجود العوائق والصعاب وإلا لما كانت ثورة طويلة الأمد ولهذا لم تستطع حماس الصمود مطولا أمام عدم تطبيق الشعارات والبرامج فكانت أن أقدمت بشكل سلبي ومحاولة فرض أمر واقع على المجتمع الدولي هكذا فكرت وهذا مستغرب جدا بأن تمردت وانقلبت على الوضع السياسي الداخلي الفلسطيني وهدمت أركان الاتفاقات والعهود الفلسطينية بدل أن تصب حام غضبها على المجتمع الدولي والصهيوني وتكثف من شعاراتها المقرونة بالعمل المسلح كما السابق فكان العكس تماما وانحرفت بوصلتها إلى داخل وباتجاه منظمة التحرير وفتح على الخصوص وما زالت حتى الآن وهنا تحطمت كل الشعارات المرفوعة سابقا ومنذ 3 سنوات تقريبا وما يسمع فقط كلام وتصريحات إعلامية بحته عن المقاومة التي كانت حجة في الماضي أمام الشعب والآن تدار المعارك بالكلام الذي يخلو من العمل وعندما أريد له أن يتحقق كان على رأس السلطة وانسلخ قطاع غزة عن الضفة بانقلاب أدانته جميع فصائل منظمة التحرير ومكونات المجتمع الفلسطيني المستقل وجميع العالم العربي والدولي .
وعودة لموضوع الشعارات إذ نرى الآن شعارات للاستهلاك الاعلامى فقط لن تجدي ولن تفيد شيئا أو أحدا وهذا ما يعرف بالعرف اللغوي بالانتحار السياسي وقد وقع فعلا لا قولا. وتعثرت كل البرامج الانتخابية لحماس وتفاقم الوضع من عزلة وتراجع اقتصادي وفقر وانخفاض في مستويات المعيشة وتدهور خطير للاقتصاد وسوق العمل في داخل الأراضي الفلسطينية حتى المعابر تم إغلاقها بسبب خلل حدث في نصوص الاتفاقيات ورفعت شعارات لن تحقق ولن تخترق أي اتفاقيات للمعابر سابقة فكانت على جثث أكثر من 30 عالقا على معبر رفح واستمرت الشعارات تريد حصد آلاف من المساكين والفقراء على الحدود فما فائدة تلك الشعارات الجوفاء ؟؟؟؟ حتى جاءت مبادرات الشرعية من من يعملون فعلا لا قولا على شعارات ثابتة للوصول إلى الأهداف الوطنية وبدأ أخيرا الحل لهم بالعودة إلى ديارهم.
والسؤال المطروح متى تختفي الشعارات والتي فشلت في تقديم أي جانب ايجابي للشعب والأرض ؟؟ فقد أحضرت شعارات منظمة التحرير وأوجدت السلطة على أجزاء من الأرض الفلسطينية مبدئيا وتستمر في المسير بقطار التحرير حتى تتحقق الأهداف والثوابت الوطنية والتي هي بالأساس الشعارات المرفوعة للثورة الفلسطينية منذ أكثر من 40 عاما .....فماذا أحضرت شعارات وبرامج حماس المرفوعة بعد دخولها المعترك السياسي ؟؟ والمستمرة سوى الانفصال والتشتت الفلسطيني الداخلي وضياع الشراكة السياسية وفقدان وتراجع كبير وانحدار قوى في المجتمع اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ووحدويا ؟؟؟؟ فمن يقول عكس ذلك فليتفضل ليدلى برأيه !!..
فما هو المطلوب الآن بخصوص الشعارات التي فشلت على صعيد جلب الاستقرار الاجتماعي المتمثل في تقدم التعليم الأساسي والمتوسط والتعليم العالي وتقدم الصحة والخدمات و الجانب الاقتصادي المتمثل في الاستثمارات ومستوى المعيشة والحياة الكريمة والأمن المتمثل في تعدد وحرية الأحزاب والصحافة وحفظ الأملاك العامة والشخصية للشعب وتفعيل القضاء وفتح الأبواب للمنظمات الإنسانية والحقوقية الخاصة بالإنسان لترى ماذا يدور هنا وهناك !!! فهل لها حرية الحركة كما السابق؟؟؟.
إن المطلوب الآن هو تراجع واعتذار لكل ما وقع طوعيا واختياريا وعودة إلى طاولة الحوار الوطني المنطقي والواقعي فقط وفقط فالقطار يسير ولن يتوقف ابد للغوص في سلبيات وأحزان قطاع غزة فهنيئا لنا نحن قاطني القطاع وهنيئا لحماس وقياداتها استخدام تكنولوجيا المعلومات في التنقل والترحال إذا فليأتي المستثمرون والمشروعات للبنى التحتية عبر الفاكس وليتعلم طلابنا في جامعات الطب والهندسة عبر الانترنت ولتقام علاقات مع جميع دول العالم على خرائط الأطلس فقط وليرتفع مستوى المعيشة ويختفي الفقر المطبق والمط قع عبر الشعارات والكلام من خلال الفضائيات والصحف الالكترونية وخطب المساجد للأسف الشديد هذا هو الحال .....ولكن كما يقولون دوام الحال من المحال.... لأن في النهاية يجب أن يكون الشعار بحجم المنطق فلا يتحول إلى نعرات حزبية وشخصية ولا أقول بحكم الواقع حتى لا يفهم كلامي خطئا من البعض فدائما وأبدا سنتمرد على الواقع المتواجد به محتل آثم ومن خلال الشعارات نفسها ولكنها منطقية ومدعمة من كل القوانين الوضعية التي يرفعها المجتمع الدولي نفسه أما أن نجلس متقوقعين داخل شعارات لا تتقاطع مع المنطق والعقل والحكمة فهذا من شأنه إجبار العالم على التدخل لاحقا وهو أمر لا نريده ولا نحبذه ولكن الشواهد والإجراءات المتفاقمة على الأرض والتي ستتفاقم لاحقا وبشكل مؤكد فالأحداث في بداياتها وستتلاحق وان غدا لناظره قريب.
فلماذا يسمح للشعارات الفارغة والمدمرة والغير منطقية من أن تبقى مرفوعة فهي بلا شك نعرات جاهلية وآنية فهل انعدم التفكير والعقل من المسيطرين هنا بقوة الأمر الواقع على قطاع غزة رغم أنف جميع التيارات السياسية والمدنية التي أدانه عملهم الانقلابي المرفوض والمنحدر بالقطاع إلى المجهول فعلى ماذا يعولون على نهر بارد جديد متكرر في الزمن فان كان هذا فلينتبهوا إلى أن هنا واقع الشعب في قطاع غزة ومكوناته وحيثياته المتعددة والمختلفة الأبعاد تفرض عليهم التفكير ألف مرة قبل الاستمرار في عدم التراجع عن الخطأ والخطايا قبل فوات الأوان ونصل إلى محاكم دولية قادمة لا محالة لو استمر الوضع قائما فنحن ضمن معادلة صعبة ومعقدة في المنطقة لطبيعة الصراع المربوط مع أقوى قوى الشر والطغيان في العالم كله وأن الحقبة حقبتهم لا شك في ذلك فلنواجه هذا بعيدا عن النعرات وبرفع شعارات المنطق والوحدة والحقيقة المجردة عن الوهم والأوهام وربط قراراتنا ومصيرنا بيد الآخرين لمصالحهم بدل أن تكون لمصالح شعبنا وأرضنا وذلك احتراما لذاتنا ولإنسانيتنا
إلى اللقاء............... عرفات الخطيب التيار العربي التقدمي